نص رسالة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بيراني "الأمين العام جماعة الدعوة والإصلاح" على النحو التالي:

بسم الله الرّحمن الرّحیم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلی آله واصحابه ومن والاه. 

رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا. 

الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدانَا اللَّهُ؛ و ما توفیقی ولا اعتصامی ولا توکلی الا علی الله أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ على آله وصحبه أجمعين.

عشية شهر رمضان المبارك وربيع القرآن الكريم ، وكذلك بداية سنة  1402 الشمسیة، أسأل متواضعا مدبر الليل والنهار ومحول الأحوال ، أن یجعل التزامن المبارك لربيع الطبيعة مع ربيع القرآن ملیئا بالرحمة والبركة والانفتاح ویجعل عاما مفعما بالنصر والأمل والسلام لشعب إيران العظيم ویفتح لهم أبواب التوفيق والراحة والسلام ببركة شهر نزول القرآن وليالي القدر وحضور الملائكة ونزول النور والرحمة ويخلصنا من المعاناة والصعوبات والمشاكل والهموم لنشهد سنة وظروفا مختلفة تليق بشعب إيران المسلم المثقف. 

من الواضح أنه وفقًا للشرائع والسنن الإلهية التي تحكم الوجود فإن التغيير والتحول والديناميكية والتجديد هي من خصائص الطبيعة والحياة وأن المجتمع البشري يختبر هذا التحول والتجديد أكثر من المخلوقات الأخرى. وفي هذا السياق يقول القرآن الكريم: «يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» (الرحمن:29) كل ما في السماء والأرض يحتاج إلى عون الله في خلقه وبقائه ، ويطلب منه احتياجاته، والله العليم والحكيم يعمل باستمرار على خلق جديد وبدیع وصنع خطة جديدة.

لأن كل ما في السماوات والأرض يطلب احتياجاته من خالق الوجود بلسان الحال أو المقال ، والجمیع من الصغير والكبير والفقير والغني والظالم والعادل والمتسول والحاكم والجن والإنس والملائكة والكائنات الحية والأشجار والجماد ، ​​بحاجة إلى دعم وإشراف ومساعدة من الله الخالق ليبقى ويستمر في الحياة ويكون قادرًا على تحقيق رسالته ومهمته: «فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّشَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (یس:۵۴)

نتيجة لذلك، یمکننا القول بالتأکید إنه لم يُترك أي مخلوق في الكون بلا هدف ؛ بل إنه دائمًا ما يتم إنشاؤه لغرض ورسالة معينة ، وفي ضوء القوانين والسنن الإلهية التي تحكم الوجود ، فإنه يطيع خالقه بطريقة تكوينية أو تشريعية ويتم دعمه ومراقبته بشكل مستمر من قِبَله كما يقول جل شأنه: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا» (الإسراء:۴۴)

بينما أهنئ حلول شهر رمضان المبارك والبداية السعيدة لسنة 1402 الشمسیة لأعضاء جماعة الدعوة والإصلاح وأتباعها وجميع أبناء وطني الأعزاء ، أشعر بضرورة تذكيركم بما يلي:

1- باغتنام الأجواء المعنویة لهذا الشهر العظیم، الذي تغل فيه الشياطين وتفتح فيه أبواب الرحمة، ینبغي لنا أن نتمسک بفكرة الطاعة الواعية والصادقة ماوراء اجتناب الأكل والشرب ونجعل الحياة أکثر روحانية بالمصالحة مع خالق الكون واللطف والإحسان والخدمة لخلقه وإلى جانب عبادة الخالق وثنائه نجمع التقوى بالإحسان والطاعة بالشفقة والحنان وخدمة الآخرين.

لا شك أن تخفيف المعاناة وخلق السعادة والأمل ، وخاصة لضحايا الفقر وصعوبة العيش ، هو عبادة عظيمة وعمل ثمين كما جاء في الحديث القدسي: "إن لله عبادًا اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلى الخير، وحبب الخير إليهم، أولئك الآمنون من عذاب الله يوم القيامة"

2- تظهر خبرة ومعرفة المفكرين والمتخصصين وعلماء النفس وعلماء الأخلاق والتعليم أن الشعور بالشك الذاتي وانعدام الثقة بالنفس وضعف الإرادة هي الأسباب الرئيسية للانحراف الأخلاقي وإضاعة الفرص الثمينة في الحیاة الفردیة والعائلیة والاجتماعية ، حتی يعتقد البعض أن أسوأ أنواع "الإرهاب" هو الشك الذاتي وعدم الثقة بالنفس.

وفي هذا السياق ، يعتبر رمضان فرصة فريدة للاستفادة من لحظاته النقية والمقدسة لتقوية الإرادة - هذه الأمانة الإلهية العظيمة - التي هي أساس كل عمل صالح وقيّم ، وفي هذه اللحظة بالذات التي تشهد انتشار اليأس والشك الذاتي وعدم الرضا تجاه الوضع الحالي ومشاهدة ضعف الالتزام بالواجبات الدينية والأوامر الإلهية، فإن واجب ورسالة الناصحین والمتعاطفين والمصلحين الاجتماعيين هو الاهتمام بخلق وتقوية الأمل وروح الصمود والتفكير الايجابي.

وتجدر الإشارة إلى أن مهمة دين الإسلام أولاً وقبل كل شيء هي تهذیب النفس وتيسير الحياة وتزيينها بجمال الأخلاق والروحانية والتضحية والعدل والإحسان والسلام والوحدة. ثانيًا، تحولت اليوم الشخصيات والتيارات والمنظمات الناشطة في المجال الثقافي والاجتماعي إلى مرحلة جديدة من أنشطتها ومسؤولياتها، وبالإضافة إلى الواجبات الرئيسية والجهود المبذولة لإقامة علاقة فاعلة وبناءة مع المجتمع وتعزيزها تتضمن بذل جهد جاد نحو النمو والمزید من التميز الفکري وخلق التعاطف والتضامن والرفاهية لجميع أبناء الوطن باعتباره فرضا كفائیاً.

3- التغلب على ضيق الأفق والتحیزات العرقية والدینیة واحترام الحقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية ، التي يدل على التفوق الحضاري واحترام الإنسان، مهمة إنسانية وواجب اجتماعي. لذلك من المناسب الاستفادة من الأجواء الروحية والطیبة لشهر نزول القرآن والظروف الخاصة التي تحكم المجتمع والتي أدت إلى ترسيخ أسس الانسجام والتضامن بين عامة المواطنين من أجل استقرار وتقوية الأخوة والتعاطف والتآزر بين المواطنين وخاصة الشخصيات والتيارات. يجب على الجماعات والأحزاب بذل الجهود اللازمة حتى تصبح مفاهيم وقيم کالحرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق المواطنة والتنوع والتعددية صبغةً عامةً وطابعاً رئیسیاً للمواطنين.

عبد الرحمن بیراني 

الأمین العام لجماعة الدعوة والإصلاح 
أول رمضان المبارك ١٤٤٤